من الصحافة الإيرانية: من طهران إلى واشنطن “جاهزون للتفاوض وهذه شروطنا”
ايران بالعراقي

على الرغم من أجواء الشك والاستفهام السائدة، يرى بعض المحللين أنه ما زال هناك إمكانية لإحياء المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، خاصة إذا قامت الأخيرة بمراجعة مواقفها وابتعدت عن المطالب غير الواقعية، وركزت على تحقيق اتفاقية مربحة للطرفين. من جهتها، أظهرت إيران مراراً استعدادها لدراسة الحلول الدبلوماسية طالما تم احترام مصالحها الوطنية والأمنية.
ووفق مقال نشره موقع دبلوماسي إيراني، فقد عاد النقاش حول المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة إلى الواجهة مجدداً، بعد تصريحات علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي أكد أن «الطريق أمام التفاوض مع الولايات المتحدة لم يُغلق»، لكنه أشار إلى أن الجانب الأمريكي عملياً لا يلتزم بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. هذا الموقف أعاد طرح السؤال حول إمكانية إحياء الدبلوماسية بين طهران وواشنطن. في هذا السياق، سُلطت الأضواء إلى موضوع وضع الأوروبيين التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة، إلى جانب تحديد مصير اليورانيوم بنسبة 60% والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كأحد الشروط الرئيسية لتجنب تفعيل آلية «الزناد» ومنع عودة قرارات مجلس الأمن ضد إيران.
هذا الشرط أعطى أهمية مضاعفة لمسار المفاوضات بين طهران وواشنطن، إذ إن عدم تفعيل آلية الزناد ليس حيوياً لإيران من الناحية القانونية والاقتصادية فحسب، بل يمكن أن يخلق أيضاً مساحة دبلوماسية جديدة. ومع ذلك، يرى المراقبون الإيرانيون أن التناقض بين شعارات واشنطن الداعية للتفاوض وسلوكياتها العملية مؤشر على غياب الإرادة الحقيقية في البيت الأبيض. وهنا يطرح السؤال، هل ستتوفر بيئة لمحادثة حقيقية قائمة على مصالح مشتركة، أم سيستمر مسلسل إلقاء اللوم؟
رسالة طهران الجديدة: التفاوض ممكن لكن ليس بأي ثمن
أكد علي لاريجاني في تصريحات حديثة أن التفاوض مع الولايات المتحدة ليس مستحيلاً، لكن يجب أن يكون قائماً على العقلانية والواقعية. وأشار إلى أن الأمريكيين يكتفون بشعارات التفاوض، بينما يطرحون في الواقع شروطاً يصعب تحقيقها، ومن أبرز هذه الشروط تقييد القدرات الصاروخية الإيرانية، وهو ما يتعارض مع مبدأ «حفظ الأمن الوطني» من وجهة نظر طهران.
وخلال لقاء صحفي، شدد لاريجاني على ضرورة الوحدة الوطنية، مشيراً إلى أن النظام السياسي الإيراني يضع دائماً أولوية «حفظ البلاد والجمهورية الإسلامية»، وأن أي قرار في المجالات الدبلوماسية أو النووية أو الأمنية يُقاس وفق هذا المبدأ. هذا الموقف يشير إلى أنه رغم بقاء خيار التفاوض مطروحاً، فإن تجاوز خطوط الدفاع والأمن الأحمر بالنسبة لإيران غير مقبول، وعلى الولايات المتحدة إذا كانت جادة في السعي للتوصل إلى اتفاق، أن تتخلى عن توقعاتها غير الواقعية.
تناقض في سلوك الولايات المتحدة: من ادعاء التفاوض إلى ممارسة الضغط
ترى طهران أن ازدواجية سلوك البيت الأبيض هي أحد أبرز العقبات أمام الحوار مع واشنطن. فقد أكدت السلطات الإيرانية مراراً أن الولايات المتحدة تتحدث عن التفاوض ظاهرياً، لكنها عملياً تعرقل المسار باتخاذ إجراءات ضاغطة مثل تشديد العقوبات وطرح مطالب كفرض قيود على القوة الصاروخية، ما يحول دون التوصل إلى اتفاق. وأوضح لاريجاني أن حتى أثناء سير المفاوضات، ساهمت ضغوط واشنطن في تمهيد الطريق لحدوث حرب، مما جعل الإيرانيين يعتقدون أن واشنطن تسعى أكثر للعبة إلقاء اللوم، أي وضع إيران أمام خيار تقديم تنازلات أحادية أو أن تُصوَّر كمعارضة للتفاوض.
هذا الواقع حدّ من الآمال في العودة إلى دبلوماسية بنّاءة وزاد من تعقيد المعادلات السياسية والأمنية الإقليمية. وأكد لاريجاني أن مسار التفاوض يجب أن يكون عقلانياً، لا وسيلة لفرض ضغوط جديدة.
في السيناريو المتفائل، إذا تمكن الطرفان من الاتفاق على إطار مشترك، قد يُفتح المجال لتخفيف التوترات. أما في السيناريو المتشائم، فقد يؤدي الوضع الحالي إلى مأزق سياسي كامل يؤثر ليس فقط على إيران والولايات المتحدة، بل على المنطقة بأسرها. في كل الأحوال، يبقى المستقبل السياسي للمفاوضات مرهوناً بشكل أساسي بالإرادة السياسية والواقعية لدى الطرفين.