نتائج الانتخابات البرلمانية في العراق عن صعودٍ واضحٍ للتيارات المؤيدة لمحور المقاومة، وتراجعٍ لافتٍ للتيارات العلمانية وبقايا الفكر البعثي.
ايران بالعراقي
أفادت وکالة آنا الإخباریة، هذا التحوّل لا يُقرأ بوصفه حدثًا انتخابيًا فحسب، بل كمؤشرٍ على انتقال العراق نحو مرحلة جديدة من الوعي السياسي، تُكرّس مسار الاستقلال الوطني وتعيد تموضعه في المشهد الإقليمي.
تحوّل في المزاج الشعبي، من الاحتجاج إلى المشاركة الفاعلة
المشاركة التي تجاوزت 12 مليون ناخب من أصل 21.4 مليون مؤهل، تمثل استعادة للثقة بين الشارع والمؤسسات الانتخابية بعد سنواتٍ من الجمود السياسي. ارتفاع نسبة الإقبال بنسبة 12.5% مقارنة بالدورة السابقة، يعكس تحوّلًا نوعيًا في المزاج الشعبي، إذ لم يعد العراقيون ينظرون إلى صناديق الاقتراع بوصفها وسيلة لتدوير النخب، بل كأداة لتصحيح المسار الوطني من الداخل.
هذا الانخراط الواسع شكّل أيضًا ردًا سياسيًا على الخطابات الداعية إلى تهميش دور المقاومة والحشد الشعبي تحت عناوين "الدولة المدنية" و"عراق بلا سلاح"، وهي شعارات رُوّج لها في الأوساط الغربية وبعض القوى المحلية المتحالفة معها.
نتائج تحمل رسائل داخلية وخارجية
تصدّر ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة محمد شياع السوداني، وتقدّم ائتلاف دولة القانون لنوري المالكي، يعكسان تماسك المعسكر الشيعي وإعادة تموضعه حول فكرة "الاستقرار عبر السيادة". أما صعود قائمة الصادقون بزعامة قيس الخزعلي فمثّل بوضوح تحوّلًا في أولويات الناخبين نحو دعم القوى التي رفعت شعار الدفاع عن الحشد الشعبي ومكافحة الفساد. حصول التيارات المنضوية ضمن محور المقاومة على أكثر من 185 مقعدًا لم يكن مجرّد فوز انتخابي، بل رسالة استراتيجية موجهة إلى واشنطن مفادها أن مشروعها الرامي إلى احتواء نفوذ المقاومة عبر أدوات سياسية داخلية قد فشل.
البعد الأمني والاستقلالي في التصويت
تجربة الحرب على داعش تركت بصمتها العميقة في الوعي الجمعي العراقي. فقد باتت المقاومة، في نظر شريحة واسعة من المجتمع، جزءًا من منظومة الأمن الوطني. ارتفاع أسهم أحزاب مثل بدر، حقوق، القانون، والصادقون، يعكس هذا الإدراك الجماعي بأن السيادة لا تُصان إلا بقدرات ذاتية. لذا فإنّ التصويت لصالح هذه الكتل مثّل، في جوهره، تصويتًا للاستقلال والأمن قبل أن يكون دعمًا حزبياً. العراق في معادلة إقليمية جديدة لا يمكن فصل نتائج الانتخابات عن التحولات الإقليمية الجارية.
فصعود قوى المقاومة في العراق يأتي متزامنًا مع تعزيز حضورها في لبنان واليمن وسوريا، ضمن ما يمكن وصفه بإعادة تشكّل "محور الاستقرار الإقليمي". هذه النتائج تعيد العراق إلى موقعه الطبيعي كركيزة توازن بين القوى الإقليمية، لا كساحة تنازع نفوذ بين الشرق والغرب. تدل المؤشرات الأولية على أن الحكومة المقبلة ستتجه نحو توسيع العلاقات الاستراتيجية مع طهران والعواصم المتحالفة معها، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها "الاستقلال عبر التكامل الإقليمي"، مقابل تراجع النفوذ الأمريكي في صنع القرار العراقي.
ما أفرزته صناديق الاقتراع لا يُختزل في أرقام المقاعد، بل في دلالات التحوّل السياسي والاجتماعي الذي يشهده العراق. فالمجتمع الذي كان قبل سنوات يرزح تحت ثقل الانقسام والتدخل الخارجي، يبدو اليوم أكثر وعيًا بقدرة قراره الوطني على إعادة رسم ملامح مستقبله. العراق، كما توحي نتائج هذه الانتخابات، لم يعد ساحةً لصراع المشاريع، بل بدأ يتحول إلى فاعلٍ إقليمي يسعى إلى بناء معادلة استقرارٍ وسيادةٍ على مقاس إرادته الوطنية.

admin