المرجع الديني آية الله السبحاني: النجف الأشرف جامعة عالمية بقيت وضاءة منذ ألف سنين
ايران بالعراقي
في حفل افتتاح المؤتمر التكريمي للمحقق النائيني (قدس سره)، الذي عُقد في حوزة الإمام الكاظم (عليه السلام)، في مدينة قم الإيرانية، صرّح المرجع الديني سماحة آية الله السبحاني: “إنّ الهدف من إقامة هذا المؤتمر هو تكريم عالم جليل ومرجع جليل قدّم خدمات جليلة للمجتمع العلمي والشيعي، بل والإسلامي، طوال حياته. ولكن هذه الثمرة الطيبة قُطفت من شجرة النجف الأشرف المُثمرة. ويتزامن هذا التكريم مع الذكرى الألفية لتأسيس حوزة النجف الأشرف حيث إنّ شيخ الطائفة أبا جعفر الطوسي (قدس سره) قد هاجر إلى هذه المدينة المقدّسة عام 447 هـ، وذلك بعد أن كان(قدس سره) في بغداد ذا مكانة علمية رفيعة، ممّن يُشار إليهم بالبنان.
وقال: وقد ثقُل على جماعة أن يكون لعالم شيعي ذائع الصِّيت في مختلف العلوم هذا المقام الشامخ، فثارت القلاقل واشتدّت الفتن بين الطائفتين واتسع نطاقها بأمر (طغرل بيك) أول ملوك السلاجقة، فإنّه ورد بغداد سنة 447 هـ وشنّ على الشيعة حملة شعواء، وأمر بإحراق مكتبة الشيعة الّتي أنشأها أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدين البويهي، حتّى وصلت نيران الفتنة إلى شيخ الطائفة وأصحابه، فأحرق السلاجقة كتبه وكرسيّه الّذي كان يجلس عليه للكلام. فلم يجد الشيخ بدّاً إلا اللجوء إلى مدينة العلم النجف الأشرف، مع ما تبقّى من كتبه وعدد من أصحابه.
وتابع المرجع الديني آية الله السبحاني: “وعندئذ يُطرح السؤال الآتي: هل كانت النجف أرضاً قاحلة غير مسكونة أو كانت مدينة كسائر المدن يسكن فيها جماعة من أصحاب الحرف والعلم؟ الظاهر هو الثاني بدلائل كثيرة نقتبس القليل منها:
1. أن الشاعر ابن الحجّاج البغدادي (المتوفّى 391 هـ) ـ وكان من المعمّرين ـ الّذي زار المرقد الشريف لأميرالمؤمنين(عليه السلام) يقول في قصيدة أنشدها هناك:
يا صاحب القبّة البيضاء في النجفِ *** من زارك قبرك واستشفى لديك شُفي
زوروا أبا الحسن الهادي لعلكمُ *** تحظَون بالأجر والإقبال والزُّلفِ
زوروا لمن تُسمع النجوى لديه فمن *** يزره بالقبر ملهوفاً لديه كُفي( )
وتابع: “كما قال السيد عبد الكريم بن طاووس في «فرحة الغريّ»: كانت زيارة عضد الدولة للمشهدين الشريفين الطاهرين الغروي والحائري، في شهر جمادى الأُولى في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة… وخرج [من الحائر] وتوجّه إلى الكوفة لخمس بقين من جُمادى المؤرخ، ودخلها وتوجّه إلى المشهد الغروي يوم الإثنين… وطرح في الصندوق دراهم،… وفرّق على المجاورين وغيرهم (خمسة آلاف درهم)، وعلى القرّاء والفقهاء ثلاثة آلاف درهم.
وأكد المرجع الديني: إنّ توزيع هذا المبلغ عام 371 هـ خير دليل على وجود الفقهاء والعلماء في النجف الأشرف قبل وفود شيخ الطائفة إليها بأزيد من نصف قرن.
وشدد سماحته بأن كلّ ما ذكر يدلّ على أنّ حلقات التحديث والتدريس كانت قائمة في النجف، من غير فرق بين الأدب والفقه وغيرهما. لكن لم تكن هناك جامعة ذات نظام خاص في العلوم العقلية والنقلية، وإنّما حدث ذلك بعد هجرة الشيخ الطوسي، فوضع الحجر الأساس لجامعة علمية عالمية يشع نورها عبر الأزمنة والدهور وتخرِّج آلافاً من العلماء البارزين في أنواع العلوم، وغاية ما تدلّ عليه هذه الحوادث أنّ النجف الأشرف كانت مدينة تنتشر فيها حلقات علمية لدراسة الفقه والحديث وغيرهما، ولكن كانت محدودة غير متّسعة، بشهادة أن الشيخ الطوسي ألّف تفسيره التبيان في النجف الأشرف، ومَن تدبّر فيه يجد أنّه ينقل عن كثير من مؤلّفي الشيعة والسنّة في تفسير الآيات الكريمة، كالطبري والزجّاج والفرّاء وأبي علي الجُبّائي وعلي بن عيسى الرُّمّاني إلى غير هؤلاء، وهذا يدلّ على وجود مكتبة غنيّة في الغريّ وأنّ الشيخ الطوسي قد استفاد منها، واحتمال أنّ الشيخ حملها بنفسه من بغداد إلى النجف أمر بعيد.
وختم بالقول: حصيلة الكلام أن الشيخ الطوسي هو الّذي أسس جامعه عالمية بقيت وضّاءة عبر القرون إلى يومنا هذا، وقد تخرج فيها الآلاف من حملة العلوم ومختلف الفنون والاختصاصات، ومنهم محور كلامنا أعني المحقق الميرزا الغروي النائيني”.

admin