الصحافة الايرانية: ممر داوود “ تهديد ستراتيجي خطير على إيران والعراق
ايران بالعراقي

من أبرز تجليات هذه الاستراتيجية، ما يُعرف بـ”ممر داوود”، وهو مشروع سبق أن تناوله عدد من الباحثين الأتراك والعرب خلال العقد الماضي، وعاد إلى الواجهة خلال الأشهر الأخيرة. يهدف هذا الممر إلى تسهيل تنفيذ فكرة “إسرائيل الكبرى” الممتدة “من النيل إلى الفرات”، حيث يربط جنوب وشرق سوريا بخط يمر من تل أبيب إلى الجولان، ثم السويداء فالتنف، وصولاً إلى الحسكة شمالاً، ومن هناك إلى العراق وضفاف نهر الفرات.
ويُتوقع أن يتم تشكيل هذا الممر بالاعتماد على القدرات العسكرية لمجموعات انفصالية من بينها دروز الجنوب، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وربما قوات إقليم كردستان العراق، وفقاً لتقديرات مسبقة. ومن شأن هذا التحول أن يُحدث تغييرات جذرية في التوازنات الجيوسياسية في المنطقة، وأن يؤثر بشكل مباشر على المصالح الإيرانية والتركية.
وفي حال نجاح هذا المشروع، سيتطلب تنفيذه إنشاء كيانات ذات حكم ذاتي، لتنشأ في سوريا بعد التقسيم ثلاث كيانات رئيسية: دولة درزية ذاتية الحكم في الجنوب، دولة كردية في الشمال، ودولة عربية ضعيفة في الوسط. وسيمهد انهيار نموذج الدولة – الأمة في سوريا لتداعيات إضافية على لبنان، حيث سيعزز كيان السويداء الذاتي من تهديد الأقلية الدرزية في لبنان للتوازن الطائفي القائم، ما سيزيد من تعقيد الأوضاع هناك.
ومع امتداد “ممر داوود” من الحسكة إلى إقليم كردستان العراق، تقترب فكرة “كردستان الكبرى” من التحقق، مما يعني تشكيل كيان يمتد بين العراق وإيران وسوريا، ويصل إلى البحر عبر هذا الممر. وسينعكس ذلك على وضع الأقليات في المنطقة، مع ترسيخ موقع إسرائيل كحليف فعّال للمشاريع الانفصالية، ما يفتح الباب أمام تحويل الشرق الأوسط إلى كيانات صغيرة مفتتة وضعيفة.
وسيكون لهذا السيناريو تأثير مباشر على مصالح إيران، من خلال النقاط التالية:
- قطع كامل لشرايين محور المقاومة ومحاصرة إيران
سيؤدي قيام كيانات صغيرة في سوريا والعراق إلى عزل إيران عن شركائها في محور المقاومة، وربما القضاء على وجود هذا المحور. كما ستقع إيران تحت حصار استخباراتي وأمني من قبل قوى مرتبطة بإسرائيل. - تماس بري مباشر مع إسرائيل
مع وصول إسرائيل إلى ضفاف الفرات، تصبح إيران عملياً على تماس بري مباشر مع إسرائيل، ما يمنح الأخيرة اليد العليا في أي مواجهة ميدانية محتملة. - تفاقم تهديدات الجماعات القومية والانفصالية داخل إيران
سيؤدي انهيار مفهوم الدولة – الأمة في الجوار، إلى جانب ظهور “كردستان الكبرى” كشريك استراتيجي لإسرائيل، إلى تصعيد غير مسبوق في التهديدات الانفصالية داخل إيران، واعتبارها تهديداً وجودياً للدولة. ولا تقتصر هذه التهديدات على الجماعات الكردية، بل تشمل أيضاً مناطق جنوبية وجنوبية شرقية وشمالية غربية من البلاد.
أما تركيا، التي اتخذت مؤخراً خطوات مثل نزع سلاح حزب العمال الكردستاني ودعم حكومة “الشرع” ذات الطابع التابع، فإنها لن تكون بمنأى عن هذه التداعيات. وفي حال تحقق تقسيم سوريا، ستواجه أنقرة تهديدات مشابهة لتلك التي تطال إيران.
وفي هذه المرحلة، يبدو أن السبيل الوحيد للتصدي لهذا المشروع على المستوى الدولي، هو تعزيز التعاون بين الدول التي تتعرض مصالحها لمخاطر وجودية من جراء إنشاء هذا الممر.
وعلى المستوى الداخلي الإيراني، تبقى سبل التصدي محصورة في تعزيز التلاحم بين المكونات القومية والاجتماعية، والعمل على تحقيق أعلى درجات الوحدة في مواجهة القوى المحتلة والخارجية، وضمان الحقوق الثقافية والاجتماعية للأقليات، بما يحافظ على الهوية الوطنية بالتوازي مع الهويات الفرعية، للحد – وإن جزئياً – من تهديدات الشرق الأوسط المتغير تجاه إيران.
علي بورمند
باحث في القانون الدولي