من الصحافة الإيرانية: زيارة سعودية كبيرة إلى طهران وتحول استراتيجي في العلاقات

ايران بالعراقي

من الصحافة الإيرانية: زيارة سعودية كبيرة إلى طهران وتحول استراتيجي في العلاقات

تشكل زيارة الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وزير الدفاع في المملكة العربية السعودية، إلى إيران، محطة مفصلية في مسار اتفاق بكين وإعادة العلاقات بين البلدين خلال العامين الماضيين، وتكتسب أهمية من الأبعاد الدولية والإقليمية دون الإقليمية والثنائية.

وتأتي هذه الزيارة لتؤكد أن التوجه السياسي السعودي نحو استقرار المنطقة وتخفيف حدة الأزمات لم يكن خيارًا تكتيكيًا مؤقتًا، بل يمثل قرارًا استراتيجيًا. ومن منظور هيكلي، تعكس الزيارة تحوّل أولويات الرياض في إطار مشروع “رؤية السعودية 2030″، حيث يُعد التوازن بين الأمن والتنمية في غرب آسيا ومنظومة الخليج أحد المرتكزات الأساسية لهذا المشروع. ومخرجات هذا التوجه تبدو واضحة في ابتعاد السعودية عن الاصطفاف خلف السياسات الأميركية، وتبنّيها سياسة الحياد النشط في نزاعات مثل التوترات بين طهران وكل من واشنطن وتل أبيب.

ومن هذا المنطلق، حملت زيارة خالد بن سلمان رسالة مباشرة من طهران إلى واشنطن، مفادها أن الرياض ليست جزءًا من استراتيجية “الضغط الأقصى” ولا من أي مغامرة عسكرية ضد إيران. هذه الرسالة عبّر عنها صراحة المحلل السعودي البارز علي الشهابي في حديثه مع صحيفة فايننشال تايمز، قائلاً: “السعودية تريد أن توضح لطهران أنها لن تكون أبدًا منصة للهجوم على إيران. المملكة تدعم جهود الرئيس الأميركي لإيجاد حل دبلوماسي في الملف النووي، ولا ترغب في الحرب”. ويعكس هذا التصريح التوجه نحو تأسيس علاقة تقوم على التناغم بين الأمن والتنمية في العلاقات الثنائية والإقليمية.

وفي سياق المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة، تنقل هذه الزيارة إشارة إلى استقلال القرار السعودي، وترسل رسالة إلى كل من إسرائيل وأميركا مفادها أن الرياض لن تنخرط في أي حملة ضغط عسكري على إيران، بل على العكس، ترحب بأي اتفاق يسهم في تحقيق السلام والاستقرار في الخليج، وستكون طرفًا فيه.

ويتضح أن التحول في أولويات السعودية الداخلية والإقليمية، من خلال مشروع رؤية 2030، قد أتاح فرصة ثمينة لكل من طهران والرياض لتعزيز تلاقي الأمن والتنمية، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الجوارية بينهما.

كما تمثل الزيارة فرصة مهمة لترسيخ علاقة ثنائية مستقرة ومتقدمة، تقوم على تجاوز عقود من التوتر، والسير نحو نموذج للأمن الجماعي في المنطقة، قائم على التعاون والمنافسة البنّاءة، بدلاً من النزاع والصراع.

وبالنظر إلى موقع الأمير خالد بن سلمان في هرم السلطة السعودية، ومسؤوليته عن ملفات إقليمية مهمة، وثقة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان به كأخ شقيق، إضافة إلى إشرافه العسكري والأمني الواسع في وزارة الدفاع، فإن هذه الزيارة من شأنها تحقيق نتائج ملموسة في تعزيز العلاقات بين طهران والرياض، على المستويين الثنائي والإقليمي، حيث ملفات مثل اليمن وسوريا والعراق ولبنان وغزة على طاولة الحوار، وتتطلب تشاورًا متبادلًا رفيع المستوى بين الجانبين، خاصة في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي.

ومن اللافت في هذه الزيارة، مشاركة السفير السعودي لدى اليمن ضمن الوفد المرافق للأمير خالد، في إشارة إلى أهمية الملف اليمني في المحادثات. وتطلب الرياض من طهران، انطلاقًا من حسن النية الذي بُني عليه اتفاق بكين، أن تمارس تأثيرًا أكبر على جماعة أنصار الله لضمان أمن الممرات البحرية في البحر الأحمر، وهو ما يرتبط أيضًا بمسار السلام الذي جمع السعودية بالحوثيين في عام 2023.